لقلبكِ السلام

منذُ صِغري وأنا حينما أمرضُ لمْ أُلْقِ بالًا لأنواعِ دوائي ولا لمواعيدِه، كانتْ أمِّي تَتكفَّلُ بتلكَ المهمة على أكملِ وجهٍ، وتَأبى أن يُشاركَها فيها أحدًا وكأنَّها لن تتطمئنَ ويهدأ قلبُها حتى تضعَ الدواءَ بيدِها في فمي..!كَبرتُ وبلغتُ العشرين وصِرتُ مغتربةً في بلدٍ لا تحتوي على أمِّي ولا رائحةِ أمَّي، مرِضتُ في غُربتي وبدأتُ أُواجِهُ مشكلةَ نسياني للداوءِ فأنا لمْ أَعتَدْ يومًا على تذكُّرِه، كانتْ تسألني كل يومٍ: "هل تناولتِ الدواءَ في ميعادِه" فأُجيبُها بِصدقٍ: "لا، نَسيتُ يا أمي" فتغضب منِّي، ثم وجدتها تُهاتفُني كل يومٍ في مواعيدِ الدواءِ لتُذكرني بتناولِه حتى أُشفى، لم تتركني أمي يومًا، حتى في غربتي..!أستطيعُ إخبارَكِ اليوم ياأمي أنَّ الدواء لم يكنْ يُشفيني بل كنتِ أنتِ الدواء، وجودكِ كفيلٌ أن يُشفي كل نُدوبي، أؤمِنُ بشدة يا أُمي أن الله ما خلقكِ إلا بلسمًا يطيِّبُ جروح قلبي قبل جسدي، فالسلام عليكِ يا أمي أينما حللْتِ وكيفما حللْتِ، سلامٌ على وجهكِ البرىء الجميل الذي أنظرُ إليه فيزول همي وتعبي، سلامٌ على صوتكِ الحنون الذي يُشعرني دائمًا أن الحياة لاتزال بخيرٍ، سلامٌ على عينيكِ الحزينتين الصادقتين واللتين تسكنان قلبي بدلًا من وجهكِ، سلامٌ على كلماتكِ الهَيِّنَة الليِّنة التي تُذكِّرنُي دومًا أن هناك أحدًا يُحبُّني وهو "أنتِ"، سلامٌ على ابتسامتكِ المرسومة على وجهكِ حتى وإنْ عصفَتْ بكِ الدنيا، سلامٌ على حضنكِ الدافىء الذي أجدُ نفسي بداخلِه ويُرممُ بقاياي، والسلام كل السلام لقلبِكِ يا أمي.

رشا أحمد