بوصف ملاك | "جريدة غزل"


لَحْظة

جريدة غزل

الوصول صعب ولكن معًا نستطيع. .. جريدة غزل لدعم الكُتاب عن طريق نشر كتاباتهم بأنواعها لتصل إلى القُرَّاء بسهولة، لمؤسستها سها عبد النبي، تحت إشراف تطبيق وجريدة لَحْظة.


"بوصف ملاك"

أتذكره وهو يعترف لي بحُبه، كنا نتحدث وفي منتصف الحديث حل صمتنا كعادتنا لنستمتع بأنفاسنا سويًا، ثم قال أحبك، لمعت عيناي وأحمرت وجنتي وتحركت شفتاي وكأنني أراه أمامي، وأكاد أنطق وأنا أحبك، لكني لم أقدر، قُمت بإنحناء رأسي خجلًا وكأني أراه حقًا، لكنه للحظه قال: أهدأي فأنا لم أقُل شيئًا.
_ماذا أكلتي؟ وماذا تفعلين الأن؟
لقد غَير حديثنا لكي يضيع خجلي وفكري، كان لطيفًا، جميلًا، كان بكل حالاته رجلًا.
مالت به الحياة وجعلته يسقط بدلًا من المرة مرات، سلبت منه حياته دون أن يذكر بأوراقه لحظةً واحدة يحياها، لامسه الحزن، وصفعه أقلامًا، وظَهر الشحوب علىٰ وجهه وهو بأول سنواته، لم يعرف طريقًا للأمل، ولم يعرف وجهًا للنور، وهذا ما جعلني أحبه، وأراه العالم، وينفي حزني بجواره، وإن مال أنا عونه، كان دائمًا يغلبني بكثرة تسامحه، رغم جنوني، لكني والله أحبه ولم أذكر غيره، وإن غاب فوق العمر عمرًا أنا بإنتظاره.
كنت دائمًا أراه أبي، كنت أرسم بمخيلتي بيتي وهو يسكنه، كنت أتخيل أطفالي وهم يمرحون معه، دائمًا كان فكري أنه سيد البيت، وسيد الموقف، وصاحب اللقطة الأولى بكل شيء، دائمًا كنت أرفض قول حبيبي وأنطق له بابا، ليس فقط لمجرد احتواء، ولكن لأنه اللفظ الأنسب للعرفان بحقه الذي كلفني إياه دون أن يقصد، فقط لأنه كان متسامحًا أكثر مما ينبغي، كريمًا فوق مقدرته، كان عفويًا بدرجة تجعلني أحترمه، وكان طفلًا صغيرًا بتعلقه بي، وكان رجلًا لي وقت احتياجي، وسقوطي، كان صديقًا وقت غضبي، كان أخًا وقت غلطي وميولي، كان أنيسًا وقت حُزني، كيف لي أن لا أحبه وهو الذي جعلني أعترف بأن الحُب حبًا، كنت دائمًا أتشاجر معه وأغضبه وقد تكون أسبابًا تافهه، وأكون أنا القاسيه، الجباره دائمًا في حديثي، لكنه مازال متمسك بي، مازال يحبني رغم عنفي، يمر الوقت وأهدأ وهو كما هو بسيطً، جميلًا، متسامحًا، وحينها كنت أخجل من ذاتي وأشعر بظلمي له وأردف له: سيدى عذرًا فإنني ظالمه، وقتها ألاحظ بعيناه دموعًا، لكنه ضاحك الوجه مبتسمًا، شبيه رجلًا خاض حربًا وأنتصر، ويرفع راية بلاده ويهتف فرحًا، ومازالت الرصاصه بكتفه، لكنه لم يعنيه جرحهُ إذا كانت أرضه مازالت ملكه، كان قويًا.

كان بكل حالاته رجلًا.

ريمان عوض.

إرسال تعليق

أضف تعليقًا مُشجعًا ..

أحدث أقدم

شاهِد أيضًا

إغلاق الإعلان