
جريدة غزل
الوصول صعب ولكن معًا نستطيع. .. جريدة غزل لدعم الكُتاب عن طريق نشر كتاباتهم بأنواعها لتصل إلى القُرَّاء بسهولة، لمؤسستها سها عبد النبي، تحت إشراف تطبيق وجريدة لَحْظة.
"سَجينةُ الماضي"
_لا زلت مُعلقة بين جُدران الماضي_.
_تقفُ أمام المرآة وتنظر لانعِكاس صورتها في المِرآة، بِالكاد تفعل ذلك كل ليلة، وتتحدث مع ذاتِها لِتقتربَ أكثر من المِرآة وتقول: "كيف حالكِ يا أنا؟ أعلمُ أنّكِ ما زلت عالقة بين تلك الجُدران الصامتة، ولكن إلى متىٰ؟
انظري إليّ وتحدّثي لِم يحدث هذا؟ كَأنكِ صنمٌ ساكن أو جمادٌ أخرس، لا زلت مُعلقة بين جُدران الماضي كَسجينة في سجن مُحاط بِألف باب، مُنذ تلك الوهلة .. وأنتِ كما أنتِ" فأغمضت عَينيها وقالت: "أنتِ كما أنتِ سجينةُ الماضي".
كانت كَالشبح حِينما أسرعت في فتح عَينيها للمِرآة إلى أن بدأت مَلامحُها بالظهور رويدًا رويدًا، هربت مِنها دمعة تلو الأخرىٰ، إلى أن أمسكت بِكأسٍ أمامِها، وبِكل ما أُوتيت من قوةٍ قذفتهُ نحو المِرآة وكسرتها، وجلست تضمُ قدَميها بِيديها وتبكي بُكاءً مريرًا وترجع بِذاكِرتها إلى الوراء...
_حتى وصلت إلى ثلاث سنوات مضت..
_ كانت تجري كَالأطفال وتضحك بصوتٍ عالٍ، نعم فهي طفلة فتاة عشرينيّة بِقلب طفلة في السابعةِ من عُمرِها، ظلت تجري إلى أن اصطدمت بصدرٍ يكاد يكون حائطًا كبيرًا، رَجعت إلى الوراء ونظرت إليه وقالت :؛" اعتذر منكَ"
لكنّه نظر إليها نظرة بِالكاد تحمّلتها كادت أن تحرِقُها.
قال لها:؛ "لا تعتذري فأنا مثل أباكِ فأنا زوج أمك يا صغيرتي"
ابتسمت له ابتسامة صفراء فَهي حقًا تكرَههُ ولا تجعله بِمثابة أبيها قط، فهو مُنعدم الأخلاق ويعاقر الخمر، وتعامله معها ليس تعامل أب لابنتهِ فَهو وقح وتحدثت أمّها كثيرًا معه ولكن بدون جدوىٰ، فَهو بارعٌ في التمثيل حقًا، ولكنّ أُمّي أيضًا تُحبهُ كثيرًا فهو يصغرها بِأربع أعوام، ظَننتُ أحيانًا أنها فَرحت لِموت أبي، ولكِنّه تزوج أُمّي لأجل أموالِها وليس لأنّه يُحبها.
_ كانت ذاهبة إلا أنه أوقفها بمسكه لِمعصم يَدها وأقترب إليها وهمس في أُذُنيها قائلًا : تعلمين جيدًا أني أحبكِ يا صغيرتي، إني أعشقُك، وأودُ التقرّب إليكِ، فَأنا مُتزوج من تلك المَرأة التي هي أمك لأموالها وليس لِجمالِها ولا لِشيء آخر، فَمُنذُ الوهلةِ الأولىٰ التي رأيتكِ فيها سُحرتُ بِجمالك أيتُها الفاتنة، تعالي معي إلى عالمي.
بينما هي ناظرة إليه نظرةً غاضبة إذ بصوتِ الصفعة يدوي المكان، نعم فَهي صَفعتهُ وبقوة لِجرأته على التحدث معها هَكذا : كيف تتجرأ على قولِ هذا، فَسحقًا لكَ أيُها الخسيس.
وتركتهُ غارقًا في بئر غضبهُ، ويتوعد لها على جرأتها في صفعه.
أشرقت الشمس تُعلن بداية يوم جديد.
استيقظت من نومِها، ودلفت إلى الحمام لِتأخذ حمّامًا دافئًا، وفرشت سجادة الصلاة، وظلت تَدعو ربها أن يُنجيها من زوج أُمّها هذا، أدت فرضها وهمّت لِلخروج، وأوقفها صوت أُمها قائلة :؛ "سوف يأتي الليلة شابُ لكِ لكي يطلب يديكِ للزواج حدّثتكِ بهذا الأمر كي يكون لكِ علم بِهذا الخبر"
وتركتها وذهبت ، بينما شردت هي قليلًا وحدّثت ذاتِها: "إذا أتىٰ الذي سوف يُخرجني من هذا الوحل ومن جحود زوج أُمي، لعله خير" ، وبينما هي أفاقت من شُرودها إذا بزوج أُمها يقفُ أمامِها، وأدلفها إلى الغرفة، وأحكم إغلاق الباب
وقال لها: "أنتِ لي وأنا أقسم لكِ إن وافقتِ عليه لأقتلن أمك السيدة المعتوهة ولأجعلن حياتك جحيما، لن يأخذك أحد غيري، ولن يتذوق أحد جمالكِ هذا غيري، لا يحقُ لِأحد أن ينعم بِجمالك غيري، أنتِ لي وإن لم تكوني لي لن أترُكَكِ لِغيري، أنتِ ملكي أيتها الفاتنة، فَأنتِ طفلتي الصغيرة ذاتِ العيون الساحرة" وتوقف عن الحديث، وإذا بِها ساكنة صامتة فقط جسدها يرتجف، ويظهر في عينيهَا الخوف، كيف تخرج من هذا، تُريد تغيير مسَارها، ولكن إذا بزوج أُمها كَالوحش الكاسر كل مطمعهُ هو جسدي، يُريد أن يُرضي شهواته كأنه ذئبٌ بَشري.
_ انتظرت مجيء أُمّها لكي تقصُ عليها ما حدث، وجاءت أمها وقصّت عليها ما حدث، ولكن كانت الصدمة أنها قامت بِصفعها وقالت: "كيف تجرؤين على قول هذا، فَأنا أعلم جيدًا أنكِ لا تُحبينه، ولكن كيف وصل بكِ الحال إلى الحديث عنه هَكذا، فَهو يُعاملك كابنة له، ولا يصدر منه السوء" وانهالت عليها بعدة صفعات مُتتالية، وأخذت تُبرحها ضربًا إلى أن أتى الزوج وقال لها: "كفىٰ اترُكيها، أنا أعلم أنها لا تُحبُني ولكن اترُكيها، فَالله يرىٰ كل شيء اترُكيها"
بينما هي نظرت إليه نظرةً تحمِلُ من الشر ما كفىٰ: يا لكَ من مُمثلٍ بارع! أظهرت وجه البراءة في الحال، فإنك حقًا انتصرت على الثعلبِ المَاكر، وتقول أن الله يرىٰ كُل شيء، نعم فالله يرىٰ كُل شيء أيُها المُخادع.
_تركتها أُمها وذهبت بينما هو نظر إليها نظرةً شهوانية: "قُلت لكِ أنتِ لي أيتُها الفاتنة" وذهب وتركها تلعنُهُ.
وجاء الليل بِرياح عكسُ ما تشتهي سفينَتُها، كان الثعلبُ المَاكر يُخططُ لِشيء أشبه أن ينتزع منها الحياة.
_يجلسان على مائدة الطعام هو وأُمها، وكانت هي بِغُرفتِها تبكي، وقررت عدم الاختلاط مع زوج أُمها، كان الزوج يُشاهد زوجتهُ وهي تأكُل، وكان يطيل النظر إليها، بينما هي غفت على المائدة إذا بِابتسامة شيطانية ارتسمت على شفتيهِ، فَقام بِحملِها، و أدلفها إلى غُرفتِهِما، وأحكم إغلاق الباب.
كانت تجلسُ على فرشها بِحُزن إذا بِباب غُرفتِها يُفتح، ويدخل ذلك المُتبرج وهو يضحك بِشدة، بينما هي فزعت منه، وبدأ جَسدُها بِالارتجاف. وتحدّث قائلًا: "قلتُ لكِ أنتِ لي أيتُها الحسناء، لن ينعمَ أحدٌ بِجمالِكِ غيري، لا مفرّ مني، لا مفر"
ويقتربُ مِنها أكثر وعلى وجههِ ترتسم تِلك الابتسامة الشيطانية، بينما هي في حالة يرثىٰ لها؛ رعشة جسدها .. تَشتُت عَقلِها وأفكارِها وبُكائها، كاد التفكير يقتُلُها، وما عادت تُميز هل هذا مزاح أم إنّه حُلمٍ سخيف؟! بينما هو اقتربَ منها أكثر حتىٰ أصبح مُمَثِلًا لها، فَصرخت بِأعلىٰ صوتِها مُنادية على أُمها، فَضِحكَ ضحكةً شريرة، وقال لها: "اصرخي كما تُريدين، ولكن لن يُفيد صُراخك بِشيء يا صغيرتي"
فَأمسك بِها كما يُمسك الأسد بِفريستهِ، ومَزَّق ثِيابها، وكانت تصرخ وتُنادي، بينما كان ينظر إلىٰ جسدُها بشهوة، فَالمطلوب هو جسدُها، فَأخذ مِنها قُبلة رغمًا عنها، ظلت تركَلهُ وتضرِبهُ ولكن هيهات فَقبضةُ يديها صغيرة، فقد دخلت سجنَ الوحشِ ولا خروج منهُ، ظلّ يتحسس جسدُها إلا أنها أعطتهُ ضربةً قوية فَاستطاعت إبعاده وخرجت من الغرفة بِأكملها، فَخرج ذلك الوحش وأمسكَ بِها كانت تتوسلُ إليه أن يترُكها وتبكي، ولكن لا يُفيد بشيء أيتُها الأنثى فَأنتِ مطمعٌ لِكل ذئبِ بَشري.
ظلت تتوسل له إلى أن نظرت لِمائدة الطعام فَوجدت سكينًا عليها، أتت بِه وبِكُل ما أوتيت بها من قوة وطعنتهُ، وظلت تطعنهُ عدة طعنات مُتتالية وهي تبكي وتصرخ، وتقول: "لِماذا فعلتَ هذا بي لِماذا؟!
أنا لم أرد إيذائكَ قط، ولكنك أنت من أوصلتني لِهذا، كانت تتحدث والبُكاء هو سيدُها بينما هي تفعلُ هذا إذ بأمها تفيق على هذا المشهدِ الشَنيع؛ يَدُ ابنتِها مُلطخة بِالدماء وثيابها مُمزقة وشعرُها مُبعثر وملامح وجهُهَا تغمرُها الدموع، وزوجُها مطعون بتلك السكين على يَد ابنتِها، فَصرخت وانهالت على ابنتِها بالصفعات المُتتالية: "لِم فعلت هذا لِم؟!"
وأخذت السكين التي كانت مُنغمسة في أحشاءِ زوجِها، فهمّت بأنَ تَطعنُ ابنتِها ولكنها لم تصبها، كانت كَالمجنونة لِموت زوجِها، ولا يُهمها حالَ ابنتها أو ما الذي فعلهُ بِها، وكانت الصدمةُ الكُبرىٰ للابنة حين كانت تتحدّث والِدتها وتقول: "لا يحقُ لك الموت، فأنا قد قتلتُ والِدُها لكي نتزوج نحن وتكون لي، لا .. لا يحقُ لكَ الموت، فأنا قد قتلتُ زوجي لِأجلك لا تذهب".
كانت الابنة في حالة من الصدمة، قتلت أبي، وكادت لتقتُلني أنا، لا هذه ليست أُمي، وصرخت بقوة ودخلت المطبخ، وفتحت أنبوب الغاز، وأتت بِعود ثِقاب وأشعلتهُ، وخرجت من المنزل بل من المُحافظة بِأكملها بعدما انفجر المنزل بِأُمها والزوج.
"في الوقت الحالي"
_هذه أنا أيُها القارئ، قابلت بشرًا إن قيل للحجر كن إنسانًا قال لا، لستُ قاسيًا بما يكفي، كُنت مطمعا لِزوجُ أُمي يُريد جسدي ليُرضي شهواته، تلك المَرأة التي يُقال أنها أمي قتلت أبي لكِي تجعلهُ لها.
انتهت قصتي مع زوج الأم، وأنهيتها أيضًا مع أمّي التي كان كُل مطمعها هو زوجها هذا، فلتهلُكي أنت يا أبنتي ولأقتل أباكي أيضًا.
قتلتهم مرة لكنهم قتلوني ألفًا
ولَكني لا زلتُ عالقة بين جُدران الماضي، مُنذ ثلاث سنوات أُعاني من تلكَ الحادثة التي كُنت أنا بطلتُها، فقدتُ الثقة بكلّ البشر، وأصبحت سجينة بِهذا البيت تحيطني تلك الجُدران الكئيبة إلى أن أصبحتُ أنا سَجينةُ الماضي
(تمت).
كتابة: سارة جمعة عبدالتواب.
التصنيف
قصص