
جريدة غزل
الوصول صعب ولكن معًا نستطيع. .. جريدة غزل لدعم الكُتاب عن طريق نشر كتاباتهم بأنواعها لتصل إلى القُرَّاء بسهولة، لمؤسستها سها عبد النبي، تحت إشراف تطبيق وجريدة لَحْظة.
أنا مثلك أيها الليل
وهل يحسبني الناس مفاخرا إذا ما تشبهت بك، وهم إذا تفاخروا يتشبهون بالنهار!!
أنا مثلك وكلانا متهم بما ليس فيه، انا مثلك بأميالي، وأحلامي، وخلقي، وأخلاقي...
أنا ليل مسترسل منبسط هادئ مضطرب، وليس لظلمتي بدء، وليس لأعماقي نهاية، فإذا ما انتصبت الارواح متباهية بنور أفراحها، تتعالى روحي متجمدة بظلام كآبتها.
يحدث هذا ويمر أمام عيني في شريط سريع، ليل مظلم قاتم، خال من الفراشات، خال من الابتسامات...صمت رهيب داخل نفسك، تحاول الوصول الى غياهب ذاتك، محاولا اخذ نفس طويل وعميق، فتعود خال الوفاض، مثل خُفيّ حنين، وتبدأ قطرات المطر بالهطول تترى على سقف القلب، تأنس لصوتها، و تحسها معزوفة نسجت من نوتات الفؤاد و مفاتيح الروح، فتبدأ الذكريات تدغدغك، و ترجع لك كل كلمة قلتها، كل احساس شعرت به، في احد الليالي، وانت تحدث راء القلب، وتغوص معها في أحلام بعيدة، راغبا في جعل الحلم حقيقة، تتلون عينيك فرحا بلون الحب والعشق، تأتيك صورة الحبيب كفراشة ملونة، أخذت الدنيا من الوانها لكي تستمر في مشوارها، هكذا كان يمر عندهم الشتاء، مليئا بالأحلام، خاليا من اللقاءات، مزركشا بألوان القمر الرمادي، كأنهما يتنفسان بالذكريات والاحلام، كأنهما ليسوا من هذا العالم البئيس، ابسط الحروف تسعدهما، وكان الليل والمطر شاهدان على هذا الحب العظيم، كانوا ضيوفا من الجنة يبشرانهما بنهر الكوثر القريب.
أذكر في ليلة كانت طويلة، تأخرت المحبوبة عن حبيبها، وزاد تماطل الوقت في جعل البعد قاسيا، وكأن الكل قد تحالف عليه، قرر النوم، ولكن قلبه ظل مشوشا، وعقله يفاوض لأجل أن يجعله يأخذ موقفا، لا يمكن ان تغيب دون تعلمه بذلك، خاصة وأن موعد سفره سيكون غدا، لابد أن يعلمها بأنه يريد رؤيتها، و نزع الحنين من قلبه، بمجرد ان وضع هاتفه في وضع الرنين، فلا يمكنه أن يصدق أنها تستطيع أن تنام دون ان تخبره كم اشتاقت له هذا اليوم، ما هي إلى ثواني معدودة، حتى رأى هاتفه يهتز خافتا، ثم يعود لوضع السكون، قفز من مكانه، -وعقله المنطقي ينظر له باستهزاء- عاد لفتح شاشة هاتفه، كان يسميها بألقاب عديدة وغريبة وعجيبة، لا يستطيع الناس فهمها ولا إدراك معناها، لو قرأها شخص ما لانفجر من الضحك، كانت قصتهما خليط قصص مليئة بالفواكه والسخافات الحلوة، تفحص شاشة رسائلها، سجلت له مقاطع صوتية طويلة لعلها تشفع لها عن تأخرها الطويل، بمجرد ان سمع صوت اسمه يخرج من شفتيها، توقف قلبه لكي يسمع حتى هو، وتثاقل النفس في الدخول للرئة خشية أن يمنع ذلك الصوت الدخول لشريان الروح ووريد العقل، بدأت تشرح له سبب تأخرها وأنها كانت تنتظر ان يخلو جوها، لكي ترسل له فقد كانت على أحر من الجمرل لسماع صوته، اخذ نفسا طويلا، وبدأ في الاستمتاع بٌراء القلب خاصته، وهو يبتسم و يزداد حنينه ولوعته لها، بدأ يكتب وهو يحاول استرجاع خاطرة للرافعي، محاولا ان يخبرها بأن قلبه سامحها، وأن شوقها هو وقود فؤاده، أطال في نصه، وتمنى ان يكتب الله لهما اللقاء قريبا، وختم رسالته بأحد الألقاب العجيبة، التي تحبها وتعشقها، كان يعلم كي يجعلها تصبح فاتنة وحلوة بكلامه، كان يجيد ذلك جيداً، فبعد أن عرفها اصبح ينسج الحروف كما تنسج زرابي دمشق والاندلس...
في الصباح الباكر، بعد أن أرسل لها مقطعا لا يقل طولا عن مقاطعها في يوم البارحة، توجه لأخذ الحافلة التي ستأخذه لبلده، والتي تمر بجانب مدينتها، كان الجو باردا وماطرا، جعله يرجو أن يجدها تنتظره بجوار المحطة، لكن كان أمله مبنيا فوق سحاب المطر، انطلق في رحلته متحسرا، حتى أخبرهم مسؤول التذاكر ان الحافلة ستتوقف قليلا في المدينة التالية، فرح قلبه وابتهج، ولكن تذكر انه لا يستطيع ان يخبرها بذلك، فمستحيل ان يسمح لها أبوها بالخروج في هذا الجو الماطر، اتصل مرارا وتكرارا، فقط لكي يرضي ضميره ونبض قلبه..
توقفت الحافلة في المحطة، ونزل يجول بين ارجاء المحطة وهو ينظر لباب دخول المسافرين، كان كمن ينتظر شخصا قادما، وإذ بهاتفه يرن ويرى رقمها يتصل، انتظره حتى ينتهي اتصالها، وأعاد الاتصال بها، كان صوته قريبا للبكاء، وكانت تتكلم وهي خجولة مع حروفها، وقالت له : أنت قريب من مدينتي ولكن بعيد من قلبي، وهذا يجعل التنفس صعبا، بدأ يسترسل معها في الكلام، والألم يعتصر قلبه، كان واقفا في وسط المحطة والمطر يسقط غزيرا عليه، كأنه لم يعد يشعر بشيء سوى صوتها، أخبرها بأن حافلته ستنطلق بعد عشر دقائق، وإذ به يلمحها وعيناه غير مصدقة ذلك، نظر و أشاح بنظره ثم دقق النظر، حتى وجدها ترتمي في حضنه، وتشده بكل قوتها، وهي تتمالك أنفاسها، امسكها بقوة، ونظر الى عينيها وفغر فاه الى منتهاه، وحملها بين يديه، حتى وجد نفسه بين شفتيها، وبين أحضانها؛ وكانت قبلة المطر.
التصنيف
نصوص